الجمعة، 14 مايو 2010

العدل فى صلب المسيح

أين العدل في صلب المسيح؟

يوسف عبد الرحمن

ان ما يدعيه المسيحيون في موت المسيح على الصليب كفارة عن خطاياهم ، ليس مخالفاً للعدل والرحمة فحسب ، بل ولنصوص كتابهم المقدس أيضاً، وذلك طبقاً للآتي :

هل من العدل أن يعذب الله المسيح من جهة ناسوته، ويقتله على الصليب من أجل ذنب لم يقترفه ولم تكن له أي علاقة به؟!

أي عدل وأي رحمة في تعذيب وصلب انسان غير مذنب؟ ان تعذيب شخص برييء لم يقترف آثاماً من أجل خطايا الآخرين إنما هو ذروة الظلم ... لذلك فإن بولس في رسالته الى رومية ( 8 : 31 - 32 ) قد اعتبر صلب المسيح المزعوم عملاً ليس فيه شفـقة من الله : " اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ ". ( ترجمة فاندايك )

ماذا تفهم أخي القارىء من عبارة : "لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ"؟!

ثم اذا كان المسيح هو ابن الله الحبيب كما في متى 3 : 17 من قوله : " هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ " فهل الحبيب يرضى بصلب حبيبه؟!

لنتوقف قليلاً ونسأل أنفسنا : هل ناسوت المسيح كان مستحقاً للتعذيب والصلب حتى الموت أم لا؟

الكتاب المقدس يقول : " كُلُّ إِنْسَانٍ بِخَطِيَّتِهِ يُقْتَلُ ". التثنية 24 : 16 ، والمسيح كان انسان من حيث ناسوته فهل من العدل والرحمة تعذيب هذا الناسوت البريء؟

قد يقول قائل : إن المسيح رضي بذلك ، ولا أدري ما هو نوع العقول التي تفكر بهذه الطريقة ، وكأنهم يقولون أن الله يريد أن يتلذذ برؤية الدم ترضية لنفسه فقط ، من غير مراعاة لكون المقتول هو الشخص المذنب أم لا ... يقول آرثر ويجال في كتابه " الوثنية في ديانتنا المسيحية " عن هذا النوع من التفكير : " وهذه بالطبع وجهة نظر يتـقزز منها العقل العصري ، والتي قد تكون شرطا لعقيدة بشعة ليست منفصلة عن ميول التلذذ بالقسوة للطبيعة البشرية البدائية . وفي الواقع إن هذه العقيدة دخيلة من مصدر وثني في الإيمان ".

إن الأمر ليس صحيح تاريخياً أن نقول أن المسيح قد جاء ليموت طوعاً واختياراً عن قصد من أجل خطايا الناس.

ألم يقضي المسيح جزءاً كبيراً من الليل وهو يصلى بأشد لجاجة طالبا من الله إنقاذه من طالبي صلبه (متى 26 : 36 ) .

ألم يدعو الله قائلاً : " إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ ". ( متى 26 : 39 ) .

ألم يكن حزيناً ومكتئباً ليلة القبض عليه ( متى 26 : 38 ) .

ألم يكن عرقه يتصبب مثل قطرات دم نازلة ، حتى ان ملاكاً ظهر له من السماء ليقويه. ( لوقا 22 : 43 ، 44 ) .

ألم يقدم المسيح : " ِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طِلْبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاه ". عبرانيين 5 : 7 ( ترجمة فاندايك )

فأي عدل وأي رحمة في تعذيب هذا الناسوت البرييء؟

والآن لنفترض ان المسيح قدم نفسه طوعاً واختياراً للموت .... إذ أن أجرة الخطية هي الموت ، والمسيح مات نائباً عن البشرية الخاطئة، كما تقول الكنيسة [1] فعندها نقول :

ان مبدأ النيابة في الموت مبدأ خاطئ تشهد العدالة ببطلانه، لأنه لا يمكن لقاضي عادل حكم على خاطئ بالموت، أن يسمح لإنسان آخر بريء بتقديم حياته نيابة عن ذلك المحكوم عليه، ولو طوعاً واختياراً ، إذ كيف يمكن للعدل أن يأخذ مجراه بهذه الطريقة؟

ان التصور الذي يقوم على إزالة حكم الموت عن المجرم الحقيقي بموت شخص بريء لا علاقة له بالجريمة ...أمر يدعو للعجب والاستغراب .. ولا يمكن لقاضي ذي عقل أن يسمح بهذا الأمر، فلماذا ينسب هذا التصور إلى الإله الحكيم؟

لقد رسمت عقيدة صلب المسيح عن الله صـورة رهيبـة... صـوّرته إلهـًا ساديـًا يرتضي عـذاب هذا الناسوت البريء وموتـه لا بـلّ يمعـن فى تعـذيبـه إخمـادًا لغضـبه... إذ يقول القس انطونيوس فكري في تفسيره لسفر اللاويين : " والمسيح كان ذبيحة محرقة عندما تحمل نار الغضب الإلهي على الخطية وتحمل لعنة الناموس فأرضى قلب الله الغاضب وعقد صلحاً بين الله والناس بدمه". [2]

ويقول القديس أمبروسيوس في تفسيره ليوحنا 3 : 36 : "وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِالاِبْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ اللَّهِ" : لم يقل : "يحل عليه غضب اللَّه"، بل يقول : "يمكث عليه غضب اللَّه". كل الذين ولدوا هم قابلون للموت، يرافقهم غضب اللَّه. ما هو غضب اللَّه إلا الغضب الذي تقبله آدم أولاً... من هذه السلالة جاء الابن، بلا خطية، والتحف بالجسد وقبول الموت. إن كان قد شاركنا غضب اللَّه، إذ حمل خطايانا، فلماذا نتباطأ في الشركة معه بنعمة اللَّه؟ إذن من لا يؤمن بالابن، يمكث عليه غضب اللَّه. أي غضب للَّه؟ هذا الذي يقول عنه الرسـول: " وَكُنَّا بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ الْغَضَبِ كَالْبَاقِينَ أَيْضًا " (أف 2: 3). الكل هم أبناء الغضب، لأنهم جاءوا من لعنة الموت. [3]

وقد أشار القديس يوحنا ذهبى الفم إلى أهمية رفع الغضب الإلهي لإتمام المصالحة فقال [ ولكى تعلموا أننا أخذنا الروح القدس كعطية تصالح الله معنا.. وأن الله لا يرسل نعمة الروح القدس إذا كان غاضباً منا. لكيما إذا اقتنعت بأن غياب الروح القدس هو دليل غضب الله، تتأكد أن إرساله مرة أخرى هو دليل المصالحة لأنه لو لم تكن المصالحة قد تمت لما أرسل الله الروح القدس ] (العظة الأولى عن عيد حلول الروح القدس)

لقد أثارت هذه الصـورة اشمئـزاز الكثيرين من اللاهوتيين... وهى تؤول إلى هـذا الاعتقـاد الغـريب بأن الخلاص الذى كان الله يسعـى إليـه إنمـا كان بالدرجـة الأولى خـلاص ذاتـه بتفريغـه غـضبـه على ضحيـة بريئـة...

ختاماً ... ما أكثر كلام المبشرين المسيحيين عن العدالة الإلهية وما أكثر الضجيج الذي يحدثونه حول هذه العدالة! الحقيقة ان العدالة كقيمة جديرة بكل اهتمام ولكنها لا يمكن أبدا أن تتناغم مع قصة الفداء والخلاص المسيحية...

.................................................................

[1] يقول القديس اثناسيوس الرسولي في الفصل التاسع من كتابه " تجسد الكلمة " ترجمة القمص مرقص داود : " أخذ الكلمة جسدا قابلا للموت, واذ اتحد الجسد به أصبح نائبا عن الكل ". وجاء في كتاب اسبوع الآلام للبابا شنودة : " السيد المسيح أناب عن البشرية في ... الموت والعذاب وفي دفع ثمن الخطية عنا ". وبحسب قانون الإيمان النيقاوي فإن المسيح : " صلب عنا على عهد بيلاطس البنطى تألم و قبر و قام من بين الأموات ".

[2] من تفسير الأب انطونيوس فكري راعي كنسية السيدة العذراء بالفجالة.

[3] من تفسير وتأملات الآباء الأولين للقمص تادرس يعقوب . الطبعة الأولى 2003 . الناشر : كنيسة الشهيد مارجرجس باسبورتنج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق